فمن المعلوم أن الرهبة الاجتماعية أمرٌ شائع في كثير من الناس، وحالاته ليست بالحالات القليلة بل هي كثيرة جدًّا وإن كانت بحمد الله عز وجل في كثيرٍ من الأحيان لا تصل إلى حالة شديدة، مع التفاوت في درجاتها لدى كثير من الناس، وهذا الأمر يحتاج الوقوف على العلاج السلوكي الذي يُعين في التخلص من الرهبة الاجتماعية ثم بعد ذلك الوصول إلى المستوى المناسب في التفاعل الاجتماعي وحصول القدر السليم من ذلك، فلتأخذ بنظرك إذن العلاج السلوكي الذي يُعين تمامًا على التخلص من الرهبة الاجتماعية ويبدأ بتقليل حدتها لتصل بعد ذلك إلى أن تجدها قد تلاشت وقد تخلصت منها بإذن الله عز وجل، فإليك خطوات سهلة ميسورة تستطيع بإذن الله أن توظفها على نفسك، وأن تجد أثرها عاجلاً غير آجل، فما هي إلا عزيمةٌ صادقة وقبل ذلك توكل على الله لتجد أنك قد حققت كل ما تصبو إليه في هذا الأمر، فأول المقامات التي تقومها هو:
1- التوكل على الله جل وعلا واللجوء إليه، فإن الإنسان لا قوة له إلا بالله، ولا تحول له عن شيء إلى شيء إلا بالله جل وعلا، وهذا معنى قولك (لا حول ولا قوة إلا بالله) أي لا تحول لنا من حالٍ إلى حال إلا بالله، ولا قدرة لنا على إتيان أي شيء إلا بالله، ولذلك كانت هذه الكلمة العظيمة كنزًا من كنوز الجنة كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم–، وقد قال تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.
2- النظر في السبب الباعث للرهبة الاجتماعية؛ فإن الوقوف على السبب يُعين على دفعه ويُعين على مضادته من جهةٍ أخرى، فأما السبب في الرهبة الاجتماعية فإنه عادةً يكون نتيجةً للتفكير السلبي الذي لدى الإنسان، فالإنسان قد يخشى الظهور أمام بعض التجمعات أو يخشى الاختلاط بالناس، وهذا تتفاوت حدته – كما أشرنا – من حالةٍ إلى حالة، ولكن الذي يجمع هذه الأمور هو كون صاحب الرهبة الاجتماعية لديه تخوف من أن يُخالط الناس نظرًا لأنه يخشى الوقوع في الخطأ، فيخشى أن يأخذ الناس عنه فكرةً سيئة، أو ينظرون إليه نظرة غير مرغوبة، وربما انضاف إلى ذلك شعوره بالنقص أمامهم وأنهم خيرٌ منه، وهذا ليس شرطًا أن يكون في جميع الأحوال، ولكن هنالك حالات كثيرة يكون لها حال الشعور بالنقص وضعف الثقة في النفس سببًا قويًّا لحصول هذه الرهبة كما هو ظاهر لنظرك الكريم، فالمطلوب إذن تعديل الفكرة داخليًّا في داخلة النفس، بحيث ينظر الإنسان إلى هؤلاء الناس على أنهم مثله وعلى أنهم يخطئون كما يخطئ، فما المانع أن يقع الإنسان في الخطأ؟ وليقل لنفسه: وما الدليل أني سأخطئ أصلاً، وعلى فرض أني أخطأت أو تلعثمت أو حصل شيء من الأخطاء أمام الناس فلن يضرني ذلك، لأن كل بني آدم يقع في الخطأ، ولذلك قال -صلوات الله وسلامه عليه-: (كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون) رواه الترمذي في سننه.
فبهذا النظر يحصل له قدر من الاعتدال في النظر إلى الناس، نعم..التحرز من الخطأ مطلوب، ولكن لا يصل بالإنسان إلى درجةٍ رهبة مخالطة الناس والتخوف من الاجتماع بهم، فبهذا النظر يحصل له بإذن الله عز وجل اتزان نفسي داخلي، لينتقل بعد ذلك إلى دفع هذه الرهبة الاجتماعية بمضادتها، وهذا يكون بالتدرج في دفع هذه الرهبة؛ وذلك بأن يعوِّد نفسه شيئًا فشيئًا على المخالطة الاجتماعية، فإن كان مثلاً يتهيب لقاء التجمعات فليبدأ بالتجمعات اليسيرة فليدخل عليهم، وليسلم عليهم، وليضع يده في يد صاحبه وهو ينظر إلى عينيه ويرد الكلام بأكثر منه، فإن قيل له: السلام عليكم، قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أهلاً وسهلاً يا أبا محمد، ونحو هذه العبارات التي تشعر الإنسان بالثقة، ثم بعد ذلك ينتقل إلى نظرةٍ مهمة في هذا الباب، وهو أنه قبل أن يذهب للقاء الناس فلا ينبغي أن يستحضر في نفسه رهبة الموقف وأنه قد يقع له كذا وأن الأنظار ستحدق به وأن الناس سوف يقيمون تصرفاته وربما شعروا برهبته وخوفته وارتباكه، فكل هذا ينبغي أن يطرحه وراء ظهره، فإن طرحته وراء ظهرك حصل لك شجاعة نفسية أدبية على الإقدام على هذه التجمعات، بل ربما صارت سجية لك بحيث -بحمد الله عز وجل- لا تجد أي رهبة وأي خوف من هذا الباب.
3- ومما يُعينك إعانةً قوية على هذا أن تحرص على أداء الصلاة في الجماعة، فإن ذلك يُعينك على الاحتكاك بالناس، لاسيما وأنت تلصق كتفك بكتف أخيك المؤمن في صف الصلاة، ثم بعد ذلك ترى هذا التجمع وهو منشغلٌ بذكر الله عز وجل وأنت منشغلٌ بذكر الله فتشعر أن الناس إذا جلسوا ليس من شرطهم أن ينظروا إليك، فيزداد هذا المعنى استقرارًا في نفسك للتخلص من أصل المعنى الذي انقدح في نفسك، وهو أن الناس قد ينظرون إليك وقد يحدقون بأبصارهم إليك فيحصل لك الرهبة في الدخول عليهم.
4- الحرص على الصحبة الصالحة؛ فإن الصحبة الصالحة تُعينك على التخلص من هذه الرهبة من ناحية، وتُعينك على اكتساب الخبرات الاجتماعية والذكاء الاجتماعي من ناحيةٍ أخرى، فمخالطتك لأصحاب العقول وأصحاب الأخلاق العالية تجعلك تكتسب منهم كثيرًا من الأخلاق، فالإنسان مدنيٌ بطبعه يخالط غيره ويتأثر بهم ويكتسب من أخلاقهم، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) رواه أبو داود في سننه.
5- استعمال الهدوء النفسي وعدم الانفعال، لاسيما قبل الذهاب إلى مثل هذه التجمعات المشار إليها؛ حتى تذهب وأنت قد هدأت نفسك طاردًا من فكرك أنك سوف تواجه تجمعًا ينظر إليك كما تقدم في الكلام، بل هيئ نفسك لأن تدخل على الناس وأنت غير ملتفتًا إلى نظراتهم ولا ملتفت إلى تقييمهم، بل إن كثيرًا من هذا الظن قد يكون مجرد توهم وهذا هو الذي يُعينك إن شاء الله على دفع هذه الرهبة والتخلص منها.
6- تقوية قدراتك العلمية؛ فإن الإنسان إذا قوَّى من قدراته العلمية وحسَّن منها فإن ذلك يورثه ثقةً في نفسه ويورثه شجاعة على الكلام في مواضيع متنوعة، لاسيما وقد اطلع عليها وعرف الصحيح منها من الخطأ، فتقوية مستواك العلمي المعرفي يُعينك أيضًا على التخلص من هذه الرهبة ويورثك شجاعة نفسية أدبية.
ونحن واثقون أنك قادرٌ على التخلص من هذه الرهبة، وأنك باتباعك هذه الخطوات ستجد أثر ذلك جليًّا، ونود أن تُعيد الكتابة إلى الشبكة الإسلامية لمتابعة التواصل معك، ولمعرفة ما توصلت إليه من نتائج قد تحصلت عليها، مع التكرم بالإشارة لرقم هذه الاستشارة، ونسأل الله عز وجل أن يشرح صدرك، وأن ييسر أمرك، وأن يوفقك لما يحبه ويرضاه.